الإجابة
وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته ..
وأسأل الله العظيم أن يملأ قلبك سروراً به ، وتعلّقا به ، ومحبة له جلّ في علاه .
المعلمة الفاضلة ..
حرصك وجهدك مشكور ، سيما وهونابع من الشعور بالمسؤولية . فالتعليم والتربية رسالة أكثر من كونها مهنة .
ولو سمحتِ لي أن أقف مع أربع عبارات وردت في رسالتك ..
الأولى : ( اعرف انه اللي تسويه امي من حبها لي )
هذاالشّعور حين تعيشيه بكل تفاصيله ، ستشعرين فعلا أن طلب والدتك ليس لأي أمر آخر أو شك .. إلاّ أمر واحد فقط ( وهو أنها تحبك ) .
من هذه الزّاوية ينبغي أن تنظري لتوجيهات ( أمك ) لكلماتها لطباتها منك ..
حين تتشبّعي بهذاالشعور .. حينها لن تُداري دمعتك أوتختفي عن ناظريها لتبكي !
لأنك تؤمنين بيقين أنها ( تحبك ) وتريد مصلحتك .. وأنهاأبداً لا تُريد حتى إيذاء مشاعرك .
وقتها ستحضنين ( أمك ) وستهتمين كثيراً بالقرب ( الشّعوري ) منها بالتعبير لها عن حبك واحتضانك لها وفضفضتك لها ..
فقط عيشي هذا الشّعور .. فهذا سيساعدك كثيراً على تجاوز كثير من الضغوطات النفسية ( المتراكمة ) معك على مرّ الأيام التي عشتها في ظل رعاية والدتك لك .
العبارة الثانية : ( وفيه وحده من طالباتي صرنا انا وياها صديقات ) .
هنا لو سمحتِ لي أن أسألك ..
أنت معلمه ، وبالتأكيد لست معلمه لطالبة واحدة ..
وبالتأكيد ليس كل الطالبات في المدرسة يحضين برعاية ( أمومة ) صحيّة من حيث الاهتمام والتوجيه .. هناك بالتأكيد طالبات كُثر يحتجن إلى مثل هذاالقرب الشّعوري من معلمتهم ..
السؤال : لماذا هذه الطالبة بالذّات ؟!
هذاالسؤال بالفعل يحتاج منك إلى إجابة مع نفسك ..
لماذا هذه الطالبة بالذّات .. مع أنه بالتأكيد يوجد طالبات ربما يعانين ( في بيوتهنّ ) من إهمال تربوي عاطفي أكثر من هذه الطالبة !
الغرض من هذاالسؤال ...
هو أن تقفي بالفعل على حقيقة مشاعرك وموقفك تجاه هذه الطالبة .. نعم أحياناً نعيش نوع من الاندفاع العاطفي - لأي سبب كان - ثم نحاول أن غلّف هذاالاندافع ببعض القيم .. فقطحتى نتجاوز حالة من حالات ( الصراع الداخلي ) .. فالانسان مهما يكن .. هو أبصر بنفسه .
الأمر الآخر ..
قصدك هو ( النّفع ) للطالبة ... ماذا لو أن الطالبة تعلّقت بك أكثر وأكثر .. فهل هذاالتعلّق ينفعها أم يضرّها ؟!
هل تعتقدين أنالطالبة صارتمتعلقة بالتوجيه الصحيح ، وأصبح عندهاالقدرة على أن تمارس حياتها بشكل صحيح دون الحاجة لك .. أم أنها لا تستطيع أن تمارس حياتها إلاّ بالحاجة لك ؟!
مثل هذه التساؤلات لابد أن تورديها على نفسك .. لأنها ستساعدك كثيراً على ضبط مشاعرك تجاه هذه الطالبة ..
لأن الواقع - من وصف رسالتك - أن ميلك العاطفي لها أظهر من الميل التربوي لها .
العبارة الثالثة : ( امي تخيرني بين رضاها وبين ذي البنت ، وأنا مااقدر ازعل امي ومااقدر اترك البنت - )
هنا لو سمحت لي أن أسألك ..
أنتِ الآن هل قطعت تواصلك بالبنت ؟!
إذا كان قطعتِ تواصلك بالبنت .. فهذا يعني أنك تقدرين على ترك البنت .
وإذا كان ما قطعت تواصلك بالبنت .. فهذاايعني أنك أخترت البنت على رضا امك وقدرت تزعلي أمك وما قدرتِ تتركي البنت !
المقصود يا أختي الفاضلة ..
حاولي تُخرجي من ( الشعور الداخلي ) إلى الواقع اللي بتمارسيه حتى تشوفي الواقع كما هو لا بما تشعرين به ..
شعورك تجاه والدتك بأنك ماتقدري تزعليها هذا ( شعور ) لكن .. ماهو الواقع ؟!
لنفترض أنك قدّمت رضا والدتك وتركت البنت .. هنا تصرّفك بماذا انعكس عليك ؟!
هل انعكس عليك بالشّعور بالرّضا والانبساط انك عملتِ حاجة تحبها أمك !
أو أن الشعور هو التضجّر واللم والتحسّر !!
نحن في بعض الأحيان نعيش ( القيم ) كأمنيات .. ونتوقع أننا نعيشها ( واقع ) !
العبارة الرابعة : ( أخاف اتركها وبعدها تضيع )
أريدك أن تتأمليها أكثر وأكثر..
أجزم تماماً أنك قلتِ هذه العبارة عن حرص ، ونية صادقة - بإذن الله -
ماذا لو سألتك : أين الله ؟!
أكان الله يضيعها ؟!
وهل أوكل الله هداية الخلق للخلق ؟!
كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص النّاس على هدية عمه ( أبو طالب ) هذاالعم الذي نصره وحماه وأواه وكفاه من أذى قريش ، وقدّمه على بنيه .. فكان النبي أحرص ما يكون على هدايته ..
ومع ذلك يموت كافراً .. فيسلّيه الله بقوله : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [ القصص : 56 ] .
لماذا نعتقد أننا إذا تركناالآخرين ( ضاعوا ) !!
من نحن ؟!
وماهي قدراتنا الخارقة التي نستطيع بها حماية الآخرين من الأذى والانحراف !!
هذه القدرة لم تكن حتى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
الهداية ليست بأيدينا لأحد .. ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) [ البقرة : 272 ] .
حين أذكّرك بهذا ليس لألومك على كلمتك .. وإنما لأبعث فيك روح التفكير في الواقع من زاوية أخرى .
بعد هذه التطوافة السريعة .. نصيحتي لك :
- اجعلي علاقتك بالطالبة في حدود المدرسة فقط .
- لا تظهري الاهتمام بها أكثر من زميلاتها ، فهناك قلوب مكلومة وعقول أحوج لتعليمك وتربيتك .
- إذا كنتِ فعلاً تبحثين عن نفع هذه الطالبة فإن من مصلحتها أن لا تتعلّق بك ، سيما وانك تذكرين أن علاقتها مع أسرتها فيها نوع من التسيّب . اجعلي هدفا من أهدافك أن تعلّميها كيف تعيش مع أسرتها وتعيد البهجة لأسرتها وخاصة مع أمها .
- تعلّمي من هذه التجربة لمستقبل أيّامك ...
تعلّمي كيف تفرقني بين الأمنيات والقيم ..
كيف تضبطين انفعالاتك الشعوريّة .
- أنتِ بالفعل تعيشين نوعاً من الفراغ والاحتياج ، لكن لا تجعلي مننفسك أسيرة لهذاالاحتياج بحيث تملأيه بأي موقف أو منعطف في حياتك .
قلبك هو أهم ما يكون عليك ..
وأمك أهم من تكون بالنسبة لك .
فكّري كيف يمكن أن تستثمري احتياجك بحيث تهتمي بأمور تشغلك أو ترشّد عندك هذاالاحتياج .
أهنّئ فيك روح الملعمة المربية ..
وروح البنت البارة بأمها .
والله يرعاك ؛ ؛؛ ؛
15-07-2017