أنا مهندس، أعمل في القاهرة منذ ست سنوات، والحمد لله رزقني الله بوظيفةٍ أستطيع منها نوعاً ما أن أتعايش مع متطلبات الحياة. عشتُ فترة دراستي في السعودية، ووالدي أنفق كل ما كان يملكه وقت إقامتنا في السعودية لبناء منزل لنا في مصر، في قريةٍ تبعد عن القاهرة حوالي ساعتين؛ وذلك لأن والده لم يكن لديه أي منزل يقيم فيه، فآثر والدي أن يبني لعائلتنا بيتاً في هذه القرية المتواضعة، ولا أخفيكم سراً أن هذا البيت كلف الملايين، ولكن والدي فعل ذلك إرضاءً وبراً بوالده، وأنا أقدر وأحترم ذلك، وللأسف توفي جدي بعد العيش في هذا البيت بـ5 سنوات. عند زواجي أصبحت لي شقةٌ في هذا البيت، وقد ساعدني والدي لكي أتزوج، وكنتُ في بداية زواجي لمدة ثلاث سنوات أسافر إلى القاهرة بداية الأسبوع، وأعودُ آخر الأسبوع؛ نظراً لصعوبة الطريق، والمشقة ذهاباً وإياباً، وبالتالي أعود -كما أسلفتُ- يومي الجمعة والسبت لأمكث في بيتي، وأجلس مع زوجتي من جهة، ومن جهةٍ أخرى أبر أهلي، وأقوم على مراعاتهم، ومن ثم أسافر مرةً أخرى مع بداية الأسبوع، وهكذا. بعد مرور ثلاث سنوات من هذا التشتت الذي كنتُ فيه من الإقامة مع زملاءٍ لي في شقق، جاءت لي فكرة أن أستأجر شقةً بجوار عملي؛ لكي أكون بحريتي، وفي نفس الوقت إذا أرادت زوجتي أن تأتي لكي تعيش معي بين الفترة والأخرى، ومكثنا على ذلك ستة أشهر، وبعدها فوجئتُ بأن والد زوجتي يعرض علي شقة في العمارة الخاصة بهم في نفس المدينة التي أعمل بها، وهذه العمارة هي خاصة بعائلتهم فقط، وفيها أخوات زوجتي، وعمها، وخالتها، وأولادهم، وهم أناسٌ على خلق، ولكني نوعاً ما أختلف معهم في بعض الأمور الفكرية والسلوكية، هذا الموضوع باختصار انتهى بأنني رفضت هذا الاقتراح؛ بعد أن علمتُ أن والدي سيحزن لذلك؛ لخوفه علي من أن أي مشكلة ستحدث هناك سوف تقلل من شأني وكياني، خصوصاً وأنه قد حدثث من قبل أشياء مثل ذلك، بالإضافة إلى أنني لا أرى نفسي هناك، ولا أخفيكم سراً أن هذا الشقة في مكانٍ يحلم به أي شخص ليقيم فيه، ولكني تعودتُ على أن أكسب القيم والمبادئ مقابل المادة. عندما فعلتُ ذلك وجدتُ والدي سعيداً جداً، وكأنني كبرت في نظره، على عكس زوجتي التي حزنت كثيراً بسبب ذلك، وبعدها أصبح على عاتقي استئجار شقةٍ أخرى نوعاً من الإرضاء لزوجتي، أو لكي لا تحس أنني حرمتها من شيء كانت تحلم به، وأصبحت آخذها معي إلى القاهرة كل أسبوع، وأعود بها إلى بيت أهلي آخر الأسبوع؛ لأزورهم، وأبرهم. مع مرور الوقت عندما بدأنا نتعايش يومياً في بيتٍ واحدٍ اكتشفتُ أن هناك فجوةً كبيرةً جداً بيني وبين زوجتي في التفاهم والحب، وأرجعت هذه الفجوة إلى الحياة التي كنا نعيشها؛ وهي أني لا أكون موجوداً طيلة الأسبوع، وإنما أعود آخر الأسبوع لأمكث يومين وكأنني ضيفٌ يقوم مضيّفه بكرمه وإسعاده، وبدأتْ بيننا مشاجرات ومشاكل كثيرة، ولكنها حتى الآن لا تزال بيننا فقط، ولا يعرف بها أحد، وفي أكثر من مرةٍ كانت تطلب الطلاق، ولكنني أعلمُ جيداً أنها تحبني، وأنا أيضاً أحبها، ولكنها تحاول الهروب من مشكلة قائمة يمكن أن تحل، إلا أني أحاول أن أتفهم الأمور، وألا أجعل بيتنا يتدمر، ونخسر أولادنا، ويصبحوا ضحية لذلك؛ لأني أعرف أن المشكلة هي مشكلة تفاهم، وما إن نتصالح نعود كما كنا من محبة. بعد مرور الوقت تفجرت لدي مشكلة أخرى، وهي أني أصبحت أحس أنني مثقلٌ بالمسؤوليات، وأنني مطلوبٌ مني أن أشتري شقةً، وأن أفرشها، وكأنني أبدأ حياتي من الصفر مرةً أخرى، ولعله لا يخفى عليكم غلاء كل شيء هذه الأيام -أنا أعلم أن مع الصبر سيأتي كل شيء-. والشيء الآخر: بدأت أحس أن زوجتي أصبحتْ لا ترغب بالنزول معي إلى بيت أهلي، ومن ثم أنزل لوحدي، وهي تذهب إلى بيت أهلها؛ للجلوس معهم حتى أعود، وبذلك بدأت أحس أن بيتي عند أهلي أصبح كالبيت الخرب. أنا لا أحب هذه الحياة، وهذه الطريقة، ولكني أحياناً ألتمس لها العذر، وأحيانا نتشاجر. هنا تأتي أسئلتي، وأرجو منكم التكرم والإجابة عليها؛ لأجد في نفسي راحةً تدفعني إلى الأمام، فأسعد نفسي ومن حولي: - هل رفضي للعيش في شقة والد زوجتي قرارٌ صحيحٌ من حيث إرضاء أهلي، والبعد عن أي مشكلة، والاعتماد على نفسي؟ - هل قرار استئجاري لشقةٍ بجوار عملي -حتى لوكلفني الأمر بعض المال، وأن زوجتي وأولادي يعيشون معي- صحيحٌ، وكل أسبوع نعود لأزور أهلي وأبرهم في إجازتي أفضل، أم أترك زوجتي وأولادي كما كنت منذ زمنٍ في بيت أهلي، وأزورهم كل أسبوع يومين؟ - هل أصبر على زوجتي عندما أرى منها عصبيةً عندما نتشاجر، وأحاول أن أحافظ عليها وعلى أولادي، أم أتجه إلى أمر آخر لو تفاقمت المشاكل واتسعت هذه الفجوة مع الوقت؟ - هل يتوجب علي الصبر، وأنا أعلم أني برضى والدي والسعي في ذلك سيكرمني الله، وأن أبني نفسي بنفسي، أم أوفر معاناتي، وأعيش كما كنتُ سابقاً، ولكن سأكون بعيداً نوعا ما عن زوجتي وأولادي؟ ولكني دائماً أسأل نفسي: إلى متى يمكن أن أصبر على هذا الوضع؟ لأنه -للأسف- لا توجد فرصة للعمل بالقرب من بيت أهلي، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أسافر وأعود يومياً، ولو أستطيع ذلك فإنه يستنزف مني الجهد، ويؤثر على كل أمور حياتي. أنا شخصٌ أؤمن بقضاء الله وقدره، وأرضى تماماً بما أعطاه الله لي، ولكني أحببتُ مشاركة أمري معكم؛ لأنني بصراحة مشتت الذهن في هذه الأمور، آخذ خطوةً، ومن ثم أعود لأفكر بما يحدث؛ لأني أعلم أنني أحاول أن أرضي الجميع. انصحوني -جزاكم الله خيراً- بناءً على ما تم الاستفاضة به من أمور؛ لكي أكون شخصاً ثابت الخطى، أسير إلى مستقبلي وأهدافي من غير ترددٍ ولا تشتتٍ في المواقف والأفكار. آسف على الإطالة، وجزاكم الله خيراً.
الإستشارات
المقالات
المكتبة المرئية
المكتبة الصوتية
مكتبة الكتب
مكتبة الدورات
معرض الصور
الأخبار
ليصلك جديدنا من فضلك أكتب بريدك الإلكتروني