غارت أمكم

 

 
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عندَ بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفةٍ[1] فيها طعامٌ، فضربت التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصَّحْفةُ، فانفَلَقَتْ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادمَ حتى أُتِي بصَحْفَةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَةَ الصحيحة إلى التي كُسرت صَحْفَتُها، وأمسَكَ المكسورة في بيت التي كسَرَتْ[2].
 
فوائد الحديث:
1- هذا الحديث وغيره يحكي الواقع الذي يعيشه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وبينَ نسائه، كأيِّ بشر متزوجٍ لعدة نسوة، يحصُل بينهن الشقاق والخلاف.
 
2- حسن تعامل النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع الخطأ.
 
3- حسن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولينُ جانبه.
 
4- حُسْنُ معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأهلِه.
 
5- أن القدوة في كل شيء هو محمد صلى الله عليه وسلم.
 
6- عدمُ ذكرِ أسماء أمهات المؤمنين الذين حدثت لهم القصة في هذه الرواية؛ إما من باب الستر، أو لأن الأمرَ لا يستدعي الذِّكرَ؛ وإنما المهمُّ هو ذكر الواقعة، وكيف كان تصرُّف الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ حتى يعلم الناس ذلك.
 
7- الإنسان حالَ الغضب لا يملك نفسه.
 
8- قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على تهدئة المشاعر الثائرة، واحتواءِ الأزمات الطارئةِ وعلاجِها، وتفادي الأضرار المحتملة.
 
9- ما صنعته عائشة رضي الله عنها، كان على مرأى ومسمعٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يلمحُ ذلك بطمأنينةٍ وهدوء، ويتنفَّس هموم حبيبتِه، ويَعذرُ الغَيْرى، ويُعرِضُ عن لومها وعتابها، ويُضرِب عن تأديبِها ولو بالكلام، ويهوي بتواضعه الجمِّ إلى فِلَقِ الصَّحفةِ وأشلاء الطعامِ فيجمعها من الأرض، وهو يردد ويتودَّدُ بأرق عبارة، وأعذب بيان، وأجمل اعتذارٍ: ((كُلُوا، غَارَت أُمُّكم)).
 
10- غمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشةَ بعطفه وإلطافه، وشمَلَ المرسلة بعدله وإنصافه، فرضي الجميعُ بقوله وفعله.
 
11- الحثُّ على عدم مؤاخذة الغَيْرى، وإحسان الظن بها، وتحمل ما يصدر منها، خاصَّة مع حَداثة سِنِّها، وكثرة ضرائرِها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلُها محجوبًا بشدَّة الغضب، والغيرة مركَّبة في النَّفس فلا تملك دفعها.
 
12- قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيمن أتلف شيئًا بغير إذن مالكه بغرامة مثلِه، وضمان نظيره، فدفع الصَّحفةَ الصحيحة إلى المُهدية، وحبَسَ المكسورةَ في بيت عائشةَ، واقتصر على تغريم القصعة، ولم يُغرِّمْها الطعام؛ لأنه كان مهدًى، فإتلافه في حكم القبول، فسوَّى بينهما في الضمان: ((إنَاءٌ كإنَاءٍ))، وهذا عَيْنُ العدل، ومحضُّ القياس، وتأويل القرآن، قال تعالى: ? وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ? [النحل: 126] [3].
 
13- أهمية الطعام في حياة الإنسان.
 
14- استحبابُ الهَديَّة، وأثرها في النفوس.
 
15- لا بأس بالهدية من الزوجة إلى زوجِها في يوم ضرتها، ولا حرج فيه.
 
16- قدرة أمهات المؤمنين على طبخ الطعام، وإجادتهن له.
 
17- الميل للنساء، وحبهن أمر جبلِّيٌّ، ولقد حُبِّب للنبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا النساء والطِّيب، ولكن جُعلت قُرَّةُ عينه في الصلاة[4].
 
18- لا بأس أن يحمل الهدية إلى المُهْدَى إليه شخصٌ آخر، ولا يُشترط أن يحملها هو بنفسه.
 
19- كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، فهو دائمًا يكرم أضيافه وأصحابه، فلا يبخل عليهم بشيء؛ لذا يستحب إكرام الضيف.
 
20- احترام الطعام؛ لأنه نعمة من نِعَم الله؛ لذا اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بما تناثر منه، وأخذ يجمعه؛ احترامًا لهذه النعمة[5].
 
21- كانت أغلب أواني ذلك الزمان من الخشب، فالقصعة التي أتى بها الخادم، كانت من الخشب.
 
22- جواز اتخاذ الخادم.
 
23- صَمْتُ الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الموقف، يعتبرُ أدبًا منهم، وتقديرًا وإجلالًا لنبيِّهم صلى الله عليه وسلم.
 
24- على المسلم أن يَصبرَ على ما يبدو من زوجته، ولا يستعجل في الحكم، ويَتريَّث في العقوبة؛ حتى يتثبت من الأمر وبواعثه، فما أجمل الصفحَ والعفو من الزوج لزوجته، فهو أجمعُ للقلب، وأدومُ للمحبة.
 
25- كانت لحظة الضرب خاطفة وسريعة، وكانت باليد، أو بآلة أدَّت إلى سقوط الصحفة وانفلاقها، فالمشهد سريع مقصود في وقته، ولم يخطط له من قبل.
 
26- كان بمقدور النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أحدًا ممن شهد الموقف بأن يجمع ما تناثر من الصَّحْفَةِ، أو تناثر من الطعام، لكنه صلى الله عليه وسلم آثَرَ أن يقوم بذلك كله بنفسه.
 
27- لا بأسَ بإيقاف الخادم وقتًا يسيرًا، لمصلحة.
 
28- للإنسان أن يتصرَّف في ماله كيفما شاء، ما دام في ذلك مصلحة، وأنه فعل مباح، لا محظور فيه.
 
29- أن تكون العقوبة على قدر الفعل، وهذه النقطة بالذات لا بد أن يراعيها المربي حق الرعاية، ويُوليَها جلَّ اهتمامه.
 
30- هناك كسرٌ يَنجَبِرُ، والبعض منها لا ينجبر، فكسرُ الإناء قد ينجبر، إما بجمعِه وإلصاقِ بعضه ببعض، فإن لم يكن فبدفع قيمته، وأما كسرُ القلوب وجرحها، فقد لا ينجبر ويَنْدمِلُ؛ لذلك النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على قلب حبيبتِه عائشةَ، فلم يكسره أو يخدشه بكلمة، بل دافع عنها، وصفَحَ عنها، وكأن شيئًا لم يكن، فلله ما أروع تلك الأخلاق، وما أنبل تلك الخصال.
 
31- قوله في الحديث: عند بعض نسائه، المقصود بها عائشة، وقوله: إحدى أمهات المؤمنين، قيل هي: زينبُ، وقيل: صفيَّةُ، ولعل الراجح أنها زينبُ بنت جحش رضي الله عن الجميع[6].
 
32- ذكرت الصحفة سبع مرات في الحديث، مما يدل على أهمية هذه الصحفة؛ لأن مدار الحديث كان عليها.
 
 ============================
 
[1] الصَّحْفَةُ هي: وعاء يؤكل فيه ويُثرد، ويُتخذ من الخشب غالبًا. (موقع قاموس المعاني).
[2] البخاري 5225.
[3] من 7 - 12 مستفاد من موقع شبكة السنة النبوية وعلومها، بإشراف د. فالح بن محمد الصغير.
[4] أحمد (الرسالة) 12293، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5435.
[5] من شرح بلوغ المرام؛ د. عبدالكريم الخضير. (موقع فيلادلفيا - المكتبة).
[6] فتح الباري 5 /124 - 125.
 
 * منقول : الألوكة

الكاتب : د. إبراهيم بن فهد الودعان
 13-05-2017  |  4914 مشاهدة

مواضيع اخرى ضمن  العلاقات النفسية والعاطفية


 

دورات واعي الأسرية


 
 

إستطلاع الرأي المخصص لهذا اليوم!


هل ترى أهمية لحضور دورات عن العلاقة الخاصة بين الزوجين :

    
    
    
    
 

ناصح بلغة الأرقام


4008

الإستشارات

876

المقالات

35

المكتبة المرئية

24

المكتبة الصوتية

78

مكتبة الكتب

13

مكتبة الدورات

444

معرض الصور

84

الأخبار

 

إنضم إلى ناصح على شبكات التواصل الإجتماعي


 

حمل تطبيق ناصح على الهواتف الذكية


 

إنضم إلى قائمة ناصح البريدية


ليصلك جديدنا من فضلك أكتب بريدك الإلكتروني