التدخلات الخارجية من بعض الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء في الحياة الزوجية قد يفسدها ويسير بها إلى طريق آخر غير الذي وجدت من أجله . فالحياة الزوجية حياة لها طبيعتها الخاصة, ولها أسرارها التي لا ينبغي لأحد أن يعرفها , ويكفيها وصف الله تعالى لها بقوله : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ..} . فهناك بعض من لا دين لهم ولا خلق من الأقارب أو من الجيران أو من الأصدقاء أو ربما من زملاء العمل , يحاولون الوقيعة بين الرجل وزوجته بغرض إفساد العلاقة بينهما , وتشتيت أسرة وضياعها . ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال , فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده " . وتلك أحبولة من حبائل الشيطان لإفساد العلاقات الأسرية المتماسكة . فعن أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ ، وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ.قَالَ الأَعْمَشُ : أُرَاهُ قَالَ : فَيَلْتَزِمُهُ. وفي رواية : إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ ، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. . وإذا كان الإسلام قد نهي المسلم أن يخطب على خطبة أخيه , فما بالنا بمن يفسد زوجة على زوجها ؟ . عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال كان رجل من بني إسرائيل من عباد بني إسرائيل يعمل بالمسحاة وكانت له امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل فبلغ جبارا من جبابرة بني إسرائيل جمالها فأرسل إليها عجوزا فقال خببيها عليه وقولي لها ترضين أن تكوني عند مثل هذا الذي يعمل بالمسحاة ولو كنت عندي لحليتك بالذهب وكسوتك بالحرير وأخدمتك الخدم يعني فقالت لها وكانت تقرب إليه فطره وتفرش له فراشا فلم تفعل وتغيرت عليه فقال يا هنتاه ما هذا الخلق الذي لا اعرفه قالت هو ما ترى قال فطلقها فتزوجها جبار بني إسرائيل فلما دخلت عليه وأرخيت الستور عمي وعميت فأهوى بيده ليلمسها فجفت يده وأهوت بيدها تلمسه فجفت يدها وصما وخرسا ونزعت منهما الشهوة فلما أصبحا رفعت الستور فإذا هم صم عمي خرس فرفع خبرهما إلى نبي بني إسرائيل فرفع خبرهما إلى الله تعالى فقال إني لست أغفر لهما أبدا ظنا أن ليس بعيني ما عملا بصاحب المسحاة ( ). قال عثمان بن عطاء: كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلم، وإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر وكبرت امرأته. فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه امرأته بطعام فيأكل.فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم أتى البيت فكبر وسلم فلم تجبه، وإذا البيت فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت به في الأرض. فقال لها: مالك؟فقالت: الناس كلهم بخير، وأنت أبو مسلم!!- تعني فقير- فلو أنك أتيت معاوية، فيأمر لنا بخادم، ويعطيك شيئاً نعيش به.. فقال أبو مسلم!: اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره.قال: وكانت أتتها امرأة فقالت: أنت امرأة أبي مسلم، فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم!!قال: فبينا هذه المرأة في بيتها والسراج يزهر، إذ أنكرت بصرها. فقالت: سراجكم طفئ؟قالوا : لا قالت: إنا لله، ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم، فرق لحالها، ودعا الله طويلاً فرد إليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالها . والملاحظ أن كثيراً من الخلاف والشقاق الذي قد يحدث بين بعض الأزواج اليوم قد يكون سببه التدخلات الخارجية , وقد يكون ذلك ربما من اقرب الناس إلى الزوجين . فقد يتدخل أحد الوالدين في تلك العلاقة فيفسدها ربما بقصد أو بغير قصد . وما على الزوجين ألا أن يجعلا لحياتهما الزوجية خصوصية وسياج لا يقترب منه أحد , وإذا ما حدث خلاف حاولا حله داخل البيت ، دون تدخل قريب أو بعيد في هذا الخلاف . وقع بين الأعمش وزوجته وحشة ، فسأل بعض أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح ما بينهما .فدخل إليها وقال : إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه ، وضعف ركبتيه ، وجمود كفيه .فقال له الأعمش: قبحك الله ، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه. . إن اعتماد الزوجين على أنفسهما في حل مشاكلهما هي أفضل طريقة لسعادتهما ودليل النضج النفسي والتفاهم بينهما، ويجب ألا يلجأ الزوجان أبداً إلى عرض مشاكلهما على الأهل إلا إذا استعصى الأمر بينهما،وأصبح تدخل الأهل لا بديل عنه ،وعلى الزوجين أن يتذكرا أن بينهما جزءاً كبيراً من الحب والمودة لن يشعر به الأهل عند الحكم بينهما، لأن الأزواج في حالة الخلاف يعرضون دائماً الجانب السيئ من العلاقة، وبالتالي سيكون حكم الأهل على هذا الجانب دون مراعاة الجانب الآخر، وعندها سيكون حكماً غير سليم. وليس تدخل الأهل أو الأصدقاء شر كله , بل أحيانا يحتاج الزوجان إلى هذا التدخل وبخاصة إذا كان من أهل الصلاح وأهل الحكمة والتعقل . فقد تدخل النبي صلى الله عليه وسلم في خلاف نشب بين على وابنته فاطمة رضي الله عنهما. فقد روى عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول " قم أبا تراب قم أبا تراب " . وروى أن أبا بَكْرٍ رضي الله عنه جاء يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ ، وَتَنَاوَلَهَا ، أَتَرْفَعِينَ صَوتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا : أَلاَ تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ ؟ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا ، قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. ( ). وتدخل سلمان الفارسي في خلاف بين أبي الدرداء وزوجه أم الدرداء , فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال ما شأنك متبذلة قالت إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا قال فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما فقال كل فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم فقال له نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان قم الآن فقاما فصليا فقال إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك فقال له صدق سلمان. وقد نحتاج إلى تدخل الأهل والأقارب في مراحل متقدمة من الشقاق , قال تعالى : " {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } . وهنا لا بد أن يراعي في تدخل الأهل وأهل الصلاح هذه الأمور : 1 ـ أن يكون التدخل لتخفيف حدة الحوار والمناقشة وتقريب وجهات النظر ومراعاة رأي كل من الطرفين، وأن يحاول الأهل إبراز أوجه الاتفاق والاشتراك بين الزوجين، وليس أوجه الخلاف، وهذا يجعل الأمور أفضل ويكون بذلك تدخلاً ايجابياً من ناحية الأهل.
2 ـ يجب على الأهل ألا يتدخلوا كطرف منحاز لأحد بل يكونوا مستمعين لوجهة نظر الزوجين ويبتعدوا عن إسداء النصائح والمواعظ، لأنها لن تفيد، ولكن يمكن عرض خبرات الأهل وتجاربهم حتى يستفيد منها الزوجان الشابان.
3 ـ يجب أن يكون رأي الأهل واضحاً وصريحاً في حضور الزوجين، ولا يصح بعد انتهاء المناقشة الانفراد بأي طرف، وإبداء رأي مخالف بالطرف الآخر فهذا يولد مرة أخرى الخلاف بين الزوجين.
4 ـ لابد أن تدور مناقشة المشكلة في وجود احد من الأهل الذي يحترمه الزوجان، حتى يلزم الزوجين بأصول المناقشة والحوار، وبالتالي يعطي لهم فرصة أن يستمع كل طرف إلى الآخر بدلاً من أن تتحول المناقشة إلى أصوات عالية ومشادات، فتضيع الحقيقة. وعلى الزوج أن يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" . 5 ـ أن تدخل الأهل يكون مفيداً أحياناً لردع أي تجاوز من احد الزوجين كما أن الخوف من انتقاد الآخرين وفقد المكانة بين الأهل، يكون سبباً في تراجع الزوجين عن الكثير من الأخطاء. وقديما قال الشاعر : إذا كنتَ في حاجة ٍ مرسلاً * * * فأرْسِلْ حَكِيماً، ولا تُوصِهِ وإنْ ناصحٌ منكَ يوماً دنَا * * * فلا تنأَ عنه ولا تُقْصهِ وإنْ بابُ أمرٍ عليكَ التَوَى * * * فشاوِرْ لبيباً ولا تعصهِ وذو الحقّ لا تَنْتَقِصْ حَقَّهُ* * * فإنَّ الوثيقة َ في نصِّهِ فعلى الزوجين أن لا يدخلا بينهما إلا صاحب الدين والعقل إن احتاجا إلى ذلك كما يُحتاج الطعام إلى الملح . والضرورة تقدر بقدرها . ولا يدخلا كل من هب ودب بينهما . يحكى أن رجلاً باع عبدا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة، قال: قد رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أياماً، ثم قال لزوجة مولاه: إن سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى، واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها، فيحبك، ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلاً، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين . وصدق القائل من نمّ لك نمّ عليك .