السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا في حاجة إلى مساعدة سريعة جداً. أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، من عائلة تتمتع بمستوى مادي ممتاز ومكانة اجتماعية عالية. خلال دراستي الجامعية تعرفت على شاب من نفس تخصصي يكبرني بعام واحد، وبصراحة أحببته وأحبني، وبعد تخرجه سافر للعمل في دولة خليجية ليجمع المال ليستطيع أن يتقدم لخطبتي، وفعلا الآن وبعد انتهاء دراستي الجامعي بأربعة أشهر تقدم لخطبتي، ولكن أهلي أجمعوا على عدم الموافقة، فعائلته أقل من المستويين المادي والاجتماعي لعائلتي، وهذا سبب رفض أهلي الحقيقي، وهم يتذرعون بأنه ليس وسيما. لا أخفي أنني أحاول أنا والشاب الآن تنسيق الأمور لنتمكن من إقناع عائلتي، ولكني وقعت في حيرة. هل أنا على صواب أم عائلتي؟ لقد انعدمت لدي القدرة على التفكير، خصوصاً أن أهلي مجمعين على الرفض، مع العلم بأن الشاب متدين ويقيم الصلاة وعلى خلق عال جداً. أرجوكم مساعدتي: ماذا أفعل؟ وهل أنا مخطئة أم مقاييس واعتبارات أهلي هي الخطأ؟، أرجو الرد بأسرع وقت ممكن لأنه لا يوجد متسع من الوقت لدي، وشكراً. وأخير فزت بموافقة مبدئية من أهلي لكن أخوتي الشباب غير موافقين لأنه من نفس جامعتي ويتداولون أحاديث سيئة على مسامعي وسيؤون الألفاظ لي أرجوكم دلوني ما الحل هل أرفض هذا الشخص أم أواجهه. أنا انعدمت قدرتي على التفكير أرجوكم بحاجة إلى رد سريع
الأخت الفاضلة /.......
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أسأل الله العظيم أن يقضي لك ما هو خير لك في دينك ودنياك وأن يرضيك بما قسم لك.
أخيتي الفاضلة..
* أولاً:
ينبغي أن يتجه نظرك في تقرير ميزان حسن الاختيار إلى حيث الوصية النبوية المشفقة التي أوصى بها الرحمة المهداة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كل فتاة مسلمة وكل مسلم له ولاية إذ يقول: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"
فأوّل ما ينبغي أن تحرصي عليه أن يكون الشاب الذي تسعين لاختياره شريكاً لك في الحياة يتصف بهاتين الصفتين:
الأولى: الدين.
الثانية: الخُلق.
والإعراض عن قبول من كان هذا حاله أو ردّه أو عدم السعي للظفر به يوقع في الفتنة والفساد الكبير كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ذكرتِ أن هذا الشاب صاحب دين وصلاة وخلق عالٍ.. وفيه طموح وشعور بالمسئولية كونه بدأ يشعر بأهمية تكوين نفسه مادياً ليتقدم لك.. وتلك صفات حسنة فيه.
وفهمت من رسالتك أنه وقع بينكما ميل (نفسي وعاطفي) من خلال الاحتكاك على مقاعد الدراسة ولم تبيني بدقة طبيعة هذا الاحتكاك الذي كان بينكما في تلك الفترة..
لكن طالما وأنه قد وقع في قلبه ما وقع في قلبك فقد ثبت في الأثر الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتحابين مثل النكاح" وقصّة هذا الأثر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر وهي تهوى المعدم ونحن نهوى الموسر فقال صلى الله عليه وسلم "لم ير للمتحابين مثل النكاح"!!
فأقول طالما وأن الحال هذه فالقضية بينك وبين أهلك ليست قضية من هو على صواب ومن هو على خطأ، وليست هي قضية على مفترق الطرق إمّا أن تواجهي أو توافقي وترضخي!!
ذلك أن الصواب عند كليكما؛ لكن أنتِ بحاجة إلى أن تكوني أكثر واقعيّة أولاً مع نفسك وثانياً مع واقع بيئتك ومحيطك ومجتمعك.. وأهلك بحاجة إلى أن يتشكّل عندهم المفهوم الصحيح لميزان القبول والرد.
* ثانياً:
نصيحتي لك:
1 - أن تستخيري الله عز وجل بصدق وافتقار وأن تلحّي عليه بالدعاء.
وصفة الاستخارة كما ثبتت في الصحيح قوله: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر - فيسميه - خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وأجله فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه وإن كنت تعلم هذا الأمر - فيسميه - شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيثما كان ثم رضّني به"
2 - حتى إذا استخرتي الله عز وجل وصدقت معه في افتقارك إليه واستغنائك به فعليك حينئذٍ بعمل الأسباب المشروعة لتسهيل هذا الأمر الذي استخرتِ من أجله. لأن الله يقول: "فإذا عزمت فتوكّل على الله"
3 - بعد الاستخارة وعمل السبب والسعي الجاد الذي تحوطه العزيمة والإرادة، عندها سيتبين لك - إن شاء الله - علامة الخيرة لك، وعلامتها في القبول:
تيسير الأمر وسهولته والرضا والاطمئنان إليه.
وعلامتها في عدم القبول: الصرف عن هذا الأمر وعدم إقبال النفس عليه.
4 - ذكرتُ لك أنك بحاجة إلى أن تسلكي الأسباب المشروعة لتحقيق رغبتك بعد الاستخارة، وإن من الأسباب المهمّة التي ينبغي أن تسلكيها وتقومين بها ما يلي:
- تصحيح مفهوم حسن الاختيار عند والديك خاصّة وعند أهلك عامة، أفهميهم أن ميزان الاختيار هو الميزان الذي جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم ميزان (الدين والخُلق) وليس ميزان (الجمال والوسامة والمادة والمكانة والنسب) وهو صلى الله عليه وسلم الأرحم بأمته من آبائهم وأمهاتهم.
المقصود أن يتصحح هذا المفهوم عند والديك، ولعلك تسلكين في التصحيح الطريقة المناسبة مع والديك إمّا من خلال شريط أو كتاب يعالج هذا الموضوع أو من خلال حوار هادئ مفعم بالبر والإحسان من غير صخب ولا ضجر ولا توتر.
- اقطعي كل وسيلة اتصال بينك وبين هذا الشاب سيما وأنه لا يزال أجنبي عنك وأنت عنه أجنبية، لأن تواصلك معه يشكّل عليك ضغطاً نفسيّاً قد لا تستطيعين معه اتخاذ القرار الصحيح.
البعد والانقطاع عنه في هذه الفترة مهمٌّ جدّاً حتى يكون قرارك قراراً أكثر تعقّلاً وواقعيّة. كما أن انقطاعك عنه يخفف - ربما - من حدّة كلام إخوانك (السيئ)!
- الاستشارة.. تستشيرين أهل الرأي والحكمة من أهلك أو من تثقين بدينه وأمانته وسلامة مبادئه وقيمه وعرض الموضوع عليه بكل شفافية وصدق من كل جوانبه.
- اصنعي من يشاركك هذا الهمّ والفهم في محيط بيتك كأن تكسبي مثلاً رأي (الوالدة أو الأخت أو العم أو العمة أو أحد إخوانك) المقصود أن تكسبي معك طرفاً مؤثراً في العائلة يشاركك ويساندك ليس فحسب في قضية زواجك من هذا الشاب، بل ويشاركك عملية تصحيح المفاهيم بالأسلوب الأمثل الحكيم.
مهمّ جدّاً أن يكون هذا الطرف مؤثراً في العائلة.
5 - ينبغي أن تُدركي طبيعة الحياة مستقبلاً مع هذا الشاب من حيث: أن واقعه المادي والاجتماعي ربما يحتّم عليك أن تقدّمي بعض التنازلات الشخصية ليكون هناك على أقل تقدير - بينك وبينه أرضية اجتماعية مشتركة - تجمع بينكما.
صحيح أن الاتفاق العاطفي والتواؤم النفسي مهمّ وفي المقابل أيضاً ينبغي أن لا نغفل عن واقعيّة التواؤم الاجتماعي؛ على أن الاتفاق النفسي العاطفي يؤثر- عادة - على صياغة التواؤم الاجتماعي بين الزوجين. لكن لابد أن تكوني على وعي بهذه الطبيعة مستقبلاً حتى لا تُصدمي بالواقع.
6 - لتعلمي أخيتي الفاضلة أن رفض والديك لهذا الشاب لم يكن لاعتبارات شخصيّة تخصّهما، إنما لأنهم يرون أن هذا الرفض هو الأنفع والأصلح لك على ضوء تصوّراتهم وإدراكهم. سيما وأنهم ينظرون للأمر من خلال نافذة (منطقيّة إلى حدّ ما) فينبغي عليك أن لا تتقبلي رفض والديك بالضجر والأسى والحزن والتوتّر، بل ينبغي أن تتقبلي هذا الرفض بنوع من الهدوء والتعقّل حتى يتسنّى لك معهم حواراً هادئاً.
فلابد أن تشعري والديك باحترام رأيهما حتى يبادلانك أيضا احترام الرأي فيما تطرحينه أنتِ عليهم من وسائل للإقناع.
إن الضجر والشعور بالخيبة والحسرة وعدم التفاؤل يجعلك أكثر قلقاً وتوتّراً ويُوجد كمّاً هائلاً من الحواجز النفسية بينك وبين والديك.. الأمر الذي يجعلك تتعجلين بعض خطوات القرار أو يجعلك محبطة يائسة من أن تصنعي شيئاً!!
دعواتي بأن يختار الله لك ما تقرّ به عينك ويطمئن له فؤادك في عفو منه وعافية..
الإستشارات
المقالات
المكتبة المرئية
المكتبة الصوتية
مكتبة الكتب
مكتبة الدورات
معرض الصور
الأخبار
ليصلك جديدنا من فضلك أكتب بريدك الإلكتروني