عاشوراء .. بيت الصوم والشّكر
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَال:َ قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال:َ ( مَا هَذَا ؟ )
قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى - عليه السلام - شكراً لله ، فنحن نصومه تعظيماً له .
فقَال النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :َ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم ) .ْ
فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . [ البخاري : 1865 . مسلم : 1130 ]
في كل عام ، وحين يدخل علينا شهر الله المحرم ، ونكون على أعتاب يوم [ عاشوراء ] منه ، أذكّر نفسي ومن أحب بما في هذااليوم من الفضائل ، وكنت دائماً ما أقف عند هذا الحدث العظيم والحديث الشريف وأسأل نفسي :
ماهي العلاقة بين [ الصيام ] و[ الشّكر ] ؟!
ولماذا كان التعبير عن [ الشكر ] هنا بـ [ الصيام ] !
فتلمّست معاني [ لطيفة ] بين عبادتي [ الشكر ] و [ الصيام ] منها :
1 - التصفية والتطهير .
فكما أن للصيام انعكاس على النفس بالتطهير والصّفاء ، فكذلك للشكر انعكاس بتصفية الشعور وتطهيره من الـ : [ أنا ] .
وذلك أن للنعمة [ فرحة ] قد تضخّم عند صاحبهاالشّعور بـ [ الأنا ] . [ لي ] . [ عندي ] !
وفي شدهة النعمة ينسى [ الاعتراف ] لله بالنّعم .
( إِنّ الْإِنْسَانَ لِرَبّهِ لَكَنُود ) .
فكان في الصوم ( رمزيّة ) لمعنى : [ التصفية والتطهير ] وتنبيه إليه .
2 - الضبط السلوكي .
فالصوم : امتناع عن المباح من [ الأكل ، والشراب ، والشهوة ] في زمن مخصوص تعبّداً لله تعالى .
وفي عبادة الصيام : تدريب للنفس على الانضباط مع المألوفات والعادات والمباحات .
وللنفس عند حصول النّعمة [ انذهال ] بالفرح ، وربما أن العبد قد يتجاوز في فرحه من السلوك المباح إلى السلوك غير المباح ، فيكون ذلك في نقيض [ الشّكر ] .
فكان التعبير عن الشّكر بالصوم تنبيه إلى معنى ضبط الشّعور وانضباط السلوك حتى فيما هو مباح ، بحيث لا يحصل الإفراط فيه إلى تجاوزٍ أو إخلال بقيمة [ الشّكر ] .
3 - الفرح .
فلأن [ الشّكر ] فرح .
فإن في الصيام أفراحاً للصائم :
- فرحة الانتصار على الذّات .
- فرحة عند فطره .
- فرحة عند لقاء ربه .
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : ( للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ ) [ البخاري : 1904 . مسلم : 1151 ] .
الكاتب : أ. منير بن فرحان الصالح